ما
أجمل ليالي السمر الفلسطينية، عندما تغني الحشود للوطن، وتفرح الجماهير
على ألحان العودة والعاصمة، وما أرقى الفن الوطني الهادف، وما أروع أن يغني
ابن الكوفية للكوفية فيلهب حماسة الجموع المؤللة، فتعود قلوبهم لتنتشي
بموجات الحنين والاشتياق الهائلة للوطن السليب.
لا يخفى على أي فلسطيني، وربما عربي كذلك، ما جرى مع بداية المهرجان
الغنائي الاول لنجم فلسطين محمد عساف في الضفة الغربية، وبالتحديد بمدينة
رام الله، نعم أؤيد القول بأن العفوية سمة شعبنا المتأصلة، ولكن بما أن
الجميع يعي هذه العفوية كان من الأفضل والمستحسن احتواؤها باكراً.
إن
الذي غنّى يا طير الطاير، وطاف بنا في أرجاء فلسطين المحتلة والمغتصبة
قهراً وعنفواناً، بكل تأكيد لا يشرفه العهر والتحرش، وإن الذي غنى للكوفية
واعتمرها لا يشرفه أن يرى غوغائية أبناء شعبه ويشعر بالغبطة حينما يرى
الآلاف يستقبلونه بحرارة وبانتظام وبأسلوب راقٍ.
شبّان يعتلون "ساريات" للأعلام، وفتيات بملابس "ماوكلي"، وبضعة عاهرين
يلاحقون فتيات مهوسات بعساف، وتدافع مقيت وكأنه يوم الحشر، ذلك كان حال
المهرجان الغنائي برام الله، فأي عقل يقبل هذا الكلام؟! وأي مشاهد سيرسم
ابتسامة عريضة عندما تقفز الى ذاكرته تلك المشاهد؟!.
"إنزل عن السماعات يا حبيبي"! ، "اخلو المنصة يا جماعة" ، حتى غرفة
الكونترول ومعدات البث التلفزيوني لم تسلم من تسلق الجماهير! ، حتى ما عدنا
ندري هل هي فرحة أم غضبة؟! أم ماذا يحصل هناك؟!
هنا إذا نعتنا أنفسنا بالشعب "الفوضوي" فسنظلم أنفسنا كثيرا بالتأكيد، لأن
المتابع لمشهد استقبال الجماهير الفلسطينية للفنان محمد عساف في مطار دبي
والدول الاخرى، سيرى صورة مغايرة تماماً عن تلك التي في رام الله، لم نرى
أحداً يتسلق الغابات، ولم نر فتيات محمولات على الأكتاف بزي "ماوكلي"، فما
هذه المفارقة؟! ، وأخشى ما أخشاه أن غولدمائير الصهيونية لا تزال مبتسمة
وعلى حق عندما قالت" علينا أن نخاف من الفلسطينيين فقط عندما ينتظمون عند
ركوب الحافلة"!.
بالتأكيد ليس كل من حضر المهرجان افتعل الفوضى وأسهم في انعدام النظام،
ولكن بالمختصر كما يقول المثل الشعبي: "حبة بندورة خربانة، بتخرب البُكسة
كلها" !، فالمئات الذين يتدافعون نحو الآلاف يستطيعون أن يُخربوا بأيديهم
كل ما حاولت الاجهزة الامنية واللجان التحضيرية صنعه وسيادته من استتباب
للأمن والنظام، الذي كان مفترضاً ان يكون داخل المهرجان.
المشكلة بأننا لا نستطيع أن نناقض أنفسنا ونلقي باللوم على الاجهزة الامنية
أو اللجان التحضيرية وحدها، بحجة عدم تحضيرها المناسب، لأنني كما ذكرت هذه
جموع حاشدة وتفوق طاقة ما تم تحضيره، وشُبان "المعاكسات" يملكون ضميراً
بلاستيكياً، وانتماءاً "كاوشوكياً" ! ، فلا تسألوهم لماذا لم ينزلوا عن
السماعات؟! لا تسألوا هؤلاء لماذا لم تتوقفوا عن ملاحقة الفتيات؟! ولا
تقولوا لهم: تخيل شقيقتك في المهرجان! بل قولوا لهم باختصار: من أنتم؟!.
|
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.