أخر الاخبار

12‏/09‏/2013

يوجد طريق آخر غير القصف

أنقذت الأم روسيا (من دون الأب ستالين هذه المرة) العالم من حرب لا حاجة إليها. فلولا مشاركتها لكانت صواريخ توما هوك قد أصبحت في طريقها، وكان سُيسفك دم آخر عبثا. وبعد القصف، بسلاح امريكي بالطبع، يأتي التورط؛ وبعد الدمار يأتي التعمير الذي تقوم به ايضا شركات امريكية، بالطبع. وستنزفسورية، التي يهتم الجميع بسلامتها اهتماما صادقا ومؤثرا في القلب، أكثر وسيبقى السلاح الكيميائي الفظيع في المستودعات.
إن العالم القديم الذي كانت الولايات المتحدة تفعل فيه ما تشاء وتُنشب الحروب عبثا على العراق وافغانستان، يقترب من نهايته. فاستعدوا للعالم التالي وأهلا وسهلا بكم (عائدين) الى العالم المتعدد القوى الكبرى. لن يكون عالما كله خير لكنه قد يكون أفضل. وقد برهن على نفسه في سورية، وربما يفعل ذلك بعدها في ايران ايضا. ليس الحديث عن عودة الى ايام الحرب الباردة في عالم ثنائي القطب فروسيا ضعيفة جدا ومتعفنة من الداخل لكن الروس رفعوا رؤوسهم والصينيين في الطريق، وقد يأتي الهنود بعدهم واحتكار امريكا للقوة يوشك أن يتصدع. في جنوب آسيا بل في امريكا الجنوبية ايضا يوجد عالم وهو يستيقظ، وهذه أنباء طيبة.
قالوا لنا دائما إن ‘الدب الروسي’، كما كنا نحب أن نسميه هو أب آباء كل الخطايا في الشرق الاوسط. وإن الاتحاد السوفييتي يهيج الحروب والولايات المتحدة تبحث عن السلام، لكن من العجب أنه بعد عشرين سنة هيمنة امريكية وعجز روسي في المنطقة لم يُحرز أدنى قدر من السلام، بل حروب بعد حروب من تلك التي أهاجتها الولايات المتحدة أو أهاجتها اسرائيل بدعم وتسليح منها. وقد وُلد السلام بين اسرائيل ومصر خاصة في ايام الحرب الباردة؛ وتمت المحاولة الوحيدة لانشاء سلام مع الفلسطينيين من وراء ظهر امريكا، ولهذا يجب أن نقول ما يلي: إن امريكا لم تفعل شيئا كي تدفع قدما حقا بالسلام في المنطقة، ولو أنها أرادت لأصبح موجودا هنا، ولو أنها أرادت لانقضى الاحتلال الاسرائيلي منذ وقت.
وحتى الآن حينما عرضت روسيا تسوية لمشكلة السلاح الكيميائي في سورية وأرادت امريكا أن تقصف، فان امريكا هي التي تُرى باحثة عن السلام وروسيا هي التي تُرى هائجة للحرب وهذا صدى واهٍ لايام دعاية الحرب الباردة بين الشيوعيين الأشرار والامريكيين الأخيار.
إن عودة روسيا لا تبشر بالخير فقط لأنه من المؤكد أنها لن تكون منارة للغير مع نظام مريب جدا واقتصاد فاسد وحقوق انسان مُداسة. فالدولة التي تحارب المثليين وتعتقل الصحافيين وتقضي على معارضي النظام وتسجن المطربات هي دولة مريضة. لكن عودتها تبشر بأنه سيوجد مرة اخرى ما يُعادل ولو قليلا قوة الولايات المتحدة ويقف في طريقها التي هي بعيدة عن أن تكون دائما طريق السلام والعدل.
خُذوا مثلا سورية، لنفرض أن روسيا لم تكن حليفتها، ولنفرض أن روسيا لم تقف في وجه امريكا، ولنفرض أن امريكا كانت القوة الكبرى الوحيدة في المنطقة أفكانت النتيجة تكون أفضل أم اسوأ؟ إن الحل الذي اقترحته روسيا لم يُنفذ الى الآن وقد بُثت فيه الألغام، لكنه اذا نجح يجب أن يُتخذ درسا لما يأتي بعد. ليس كل شيء يمكن أن يُحل بالقصف مهما يكن ‘ذكيا’، ويحسن فينة بعد اخرى أن تُجرب الدبلوماسية ايضا. إن الدور البناء الذي تؤديه روسيا في سورية قد تؤديه في ايران ايضا، فيجب تشجيع مشاركتها وألا توضع عليها مسبقا علامة العدو.
يجب على اوباما الآن أن يرسل باقة أزهار الى فلاديمير بوتين، الرجل الذي أنزله عن شجرة القصف؛ ويجب على العالم أن يشكر موسكو لأنها خلصته من ورطة اخرى؛ بل إن اسرائيل مدعوة الى الكف عن التجهم في كل مرة تُمنع فيها حرب أو قصف للعرب في المنطقة، وأن تقول لروسيا شكرا. شكرا لأنك بيّنت لنا ولو لحظة واحدة أنه .

جدعون ليفي 
هآرتس 12/9/2013









مواضيع مشابهة :

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

جميع الحقوق محفوظة ©2013