أخر الاخبار

07‏/06‏/2013

المثلث امريكا ـ روسيا ـ تركيا والحرب الاهلية في اسطنبول

كل الامبراطوريات السابقة متساوية، ربما، ولكن يبدو أن بعضها متساوية اكثر. منذ عين جون كيري وزيرا للخارجية في أمريكا في شباط/فبراير 2013، التقى اربع مرات مع وزير الخارجية التركي، احمد داود اوغلو. مسؤول اجنبي كبير واحد آخر نال نصيبا اكبر من وقت كيري هو وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف.حساب بسيط لا يكشف معلومات كثيرة عن سلم اولويات السياسة الخارجية، ولكن هذه الحقيقة مع ذلك ترمز الى الاهمية التي توليها ادارة اوباما الى اعادة البدء في العلاقات بين سورية والولايات المتحدة. ويفوق هذا الامر حتى علاقات باراك اوباما مع رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، الذي وصفه اوباما مؤخرا، بانه يعد من افضل خمسة اصدقاء له في العالم. لكل هذا آثار مهمة على النتيجة المستقبلية للحرب الاهلية المستمرة في سورية. لقد كان التدخل الاجنبي احد الاسباب المركزية التي أثرت على مسار التقلبات التي عصفت بالعالم العربي منذ الثورة الاولى في تونس في نهاية 2010. الوضع في سورية كالتالي، هناك ائتلاف ضعيف ومنقسم للقوات التي تقاتل النظام، تتلقى دعما ماديا، ولكن ليس مساعدة عسكرية مباشرة من ائتلاف ضعيف ومنقسم لعناصر طرف ثالث (تركيا، السعودية وقطر). ويدير ائتلاف المعارضين منذ اكثر من سنتين معركة عنيدة، ولكن غير محسومة ضد النظام الذي يتمتع بمساعدة عسكرية مباشرة من ايران وحزب الله، القوى الخارجية الوحيدة ذات الوجود البري في سورية، ودعم مادي ودبلوماسي حيوي للغاية من روسيا. لقد طرحت عدة عوامل لتعليل التزام روسيا ببشار الاسد، بما في ذلك الاعتقاد بان الموافقة الروسية على قرار من مجلس الامن لحماية المواطنين في ليبيا استغلتها القوى العظمى الغربية لاحداث تغيير في النظام هناك. ومع ذلك، معقول أكثر ان تكون الاسباب هي اصرار روسيا على الحفاظ على ما يبدو كذخر استراتيجي، من أجل تثبيت او استئناف مكانتها كقوة عظمى عالمية، والاعتقاد بان نجاح حركات المقاومة الشعبية في العالم العربي يعزز الاسلام المتطرف، الذي يهدد ايضا استقرارها الداخلي، في ضوء العدد الكبير من السكان المسلمين الموجودين فيها. ومهما كان السبب، فقد وقفت روسيا بوضوح خلف الاسد.طيف من المحللين الامريكيين والمحافل السياسية رفيعة المستوى، وكذا محافل اجنبية تؤيد الاطاحة بالاسد، دعت المرة تلو الاخرى ادارة اوباما الى المساعدة في ترجيح الكفة في صالح قوات المقاومة. وبين الاخيرين، كانت تركيا هي الابرز. يحتمل أن يكون دور تركيا في جبهة التحالف الدولي المعارض للاسد هو في قسم منه نتيجة الاهانة الشخصية التي تعرض لها اردوغان من صديقه السابق بشار الاسد، لرفضه العمل حسب نصيحته. ولكن من الصحيح حتى الان انه تترافق مع ذلك مخاوف استراتيجية وسياسية أثقل من ذلك بكثير. في حالة نجاح الاسد في التغلب والبقاء، من شأنه أن يستغل المشاعر العرقية والدينية في تركيا لتعريض الاستقرار الاقتصادي في الدولة للخطر، الذي بدونه، أمل اردوغان في تمرير اصلاح دستوري ليصبح رئيسا مثل الرئيس الفرنسي قد يصاب بضربة قاضية، بل ويمس بوحدة الدولة بأسرها. ولكن رغم أن تركيا كانت مستعدة لان تعمل بتصميم في علاقاتها مع محافل اقليمية اخرى مثل اسرائيل، قبرص أو اليونان، فانها غير مستعدة لان تصطدم وحدها مع روسيا في المسألة السورية، وهي تفهم بان تدخلا امريكيا مباشرا فقط يمكنه أن يحدث تغييرا جوهريا في ميزان القوى في الاراضي السورية. وبالتالي، فليس مفاجئا ان سورية كانت البؤرة الاساس للقمة التركية الامريكية، اثناء زيارة اردوغان الى واشنطن في منتصف مايو 2013. ومع ذلك، فقد عاد اردوغان الى دياره بخفي حنين، وردا على طلبات مشابهة اخرى لنشاط اكبر (والغضب تجاه الهجمات الوحشية التي مارسها نظام الاسد)، بعث اوباما بمساعدة انسانية ومالية والقليل من الوسائل القتالية غير الفتاكة للقوى المعارضة للنظام، ولكنه عارض بثبات دعوات نقل السلاح، فما بالك باتخاذ وسائل مباشرة اكثر، كاقامة منطقة فصل و/أو منطقة حظر طيران داخل الاراضي السورية. ميزان المصالح النسبي لعلاقات الولايات المتحدة مع روسيا ومع تركيا بالتأكيد ليس التفسير الوحيد لتجلدها الاستراتيجي بالنسبة لسورية. فالاعتبار الحاسم هو بلا ريب عدم رغبة الولايات المتحدة في المخاطرة بالتورط في حرب اخرى في الشرق الاوسط، بعد العراق وافغانستان. وينبغي أن يضاف الى ذلك طبيعة المعارضة السورية والشكوك المتصاعدة بشأنها. بتعبير آخر فان المصلحة الاستراتيجية في النزاع في سورية غامض اكثر من أن يبرر التزاما عسكريا بحجم واسع. اضافة الى ذلك، فان التطلع الى تحسين العلاقات المتوترة مع سورية من أجل نيل بعض التعاون مع روسيا في مواضيع اخرى، له اعتبار ايضا. وعليه، ففي المسألة السورية ليس للولايات المتحدة سبب واضح لتفضيل موقف تركيا على موقف روسيا. عمليا، يبدو أن موافقة كيري على اقتراح لافروف بعد مؤتمر سلام سوري آخر في حزيران/يونيو 2013 (جنيف 2) تشير الى أجندة امريكية تعطي أولوية لروسيا على تركيا، وان كانت في حقيقة الامر تؤثر على سلم اولويات اوباما، الامتناع عن التدخل العسكري في سورية. من دون تدخل امريكي، فان التأثير العام للتدخل الاجنبي داخل سورية من المتوقع أن يستمر في العمل في صالح النظام القائم. وهذا لا يعني أن الاسد سينال انتصارا ساحقا وقاطعا، وان كان يخيل أن حظه تحسن في الاسابيع الاخيرة. ولكن في غياب تغيير دراماتيكي بشكل عام، يوجد احتمال جيد في الا يكون مصير الاسد كمصير بن علي في تونس او مبارك في مصر، وبالتأكيد ليس كمصير القذافي في ليبيا. يحتمل أنه في مرحلة معينة سينجح الاسد حتى في الانتقام من تلك العناصر الاجنبية التي تنكل به وتدعم معارضيه من الداخل وعلى رأسها تركيا. وغني عن الاشارة الى أن لهذا التوقع ستكون مساهمة هزيلة للغاية في تحقيق رؤية ‘صفر مشاكل’ لاحمد داود اوغلو. ولكن الاخير كما يعرف في المكان الثاني في قائمة اصدقاء كيري المقربين. نظرة عليا 6/6/2013









مواضيع مشابهة :

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

جميع الحقوق محفوظة ©2013