أخر الاخبار

12‏/09‏/2013

الأنصار الجزائريون وحدهم من يسبّ.. وملاعبنا الوحيدة من دون كراس


على بعد شهر من لقاء الفصل الأخير المؤهل لكأس العالم، والذي يرشح "الخضر" للتواجد في كأس العالم للمرة الرابعة في تاريخهم، وهو إنجاز كبير جدا - إن تحقق طبعا - في بلد فتي يعشق الكرة، ولكنه لحد الآن لم يستغلها اجتماعيا ولا أخلاقيا، بل أصبحت عبئا على المجتمع، إلى درجة إعلان ما يشبه حالة الطوارئ في بعض المقابلات كما هو حاصل بالنسبة لداربي العاصمة القادم، بين اتحاد الحراش واتحاد العاصمة، الذي سيحتضنه ملعب المحمدية بالحراش، رغم أن البطولة الجزائرية ارتقت إلى عالم الاحتراف، وبعض اللاعبين يتقاضون قرابة نصف مليار سنتيم شهريا.

ومع ذلك، لا تختلف ملاعبنا عن الأسواق الشعبية، وربما أكثر بؤسا منها، ويلاحظ الجميع أنه بمجرد أن تندلع احتجاجات في أي مدينة في الجزائر، حتى تسرع الاتحادية الجزائرية لكرة القدم لتوقيف مختلف بطولات الكرة بكل أقسامها، إذ يتفق الجزائريون جميعا على أن الذين تظاهروا بسبب المعيشة الصعبة في الجزائر، وحتى الذين خربوا وأحرقوا المؤسسات العامة والخاصة، واعتدوا على الناس وسلبوا أشياءهم، في غالبيتهم من أنصار الكرة الذين تدربوا على العنف في المدرجات، وخاصة في اللقاءات الحاسمة، وتعتبر مدرجات الملاعب هي بارومتر الشارع الجزائري، مع العلم أن الملاعب حكر على مشجعين من نوع خاص، جعلوا من المباريات التي تجري من دون جمهور علامة جزائرية خاصة.

ولكن معاقبة الملاعب لا تكون إلا بعد الشجارات العنيفة والرشق بالحجارة، أو تكسير كراسي الملاعب المخصصة للجمهور، رغم أن هذه الكراسي لا تزرع سوى في ملعبي قسنطينة والخامس من جويلية بالعاصمة، إذ تم إزالة كراسي ملعب قسنطينة منذ ثلاث سنوات عقب مباراة داربي المدينة التي نقلت على شاشة التلفزيون، وتلاها في صائفة 2013 كراسي ملعب 5 جويلية.

 .

الجزائر شاركت ثلاث مرات في المونديال وملاعبها ممنوعة على العائلات

العنف في ملاعب الجزائر رغم أن خطورته طالت السلوكيات العامة التي خربت المنشآت، وأسقطت قتلى في كل المواسم الكروية، إلا أنه بقي من دون علاج، ولم يتعد تنظيم بعض المحاضرات والدعوات الإنشائية التي لم يستمع إليها إطلاقا زوّار الملاعب، ومجرد إقرار تأجيل المنافسة الكروية لمدة شهر أو اللعب من دون جمهور، هو تأكيد على أن الدولة تدرك أن عنف الملاعب هو أصل عنف الشارع، حيث لم تلغ الدراسة ولا العمل ولا التجوال في الشوارع نهارا وليلا، ولا دخول المسارح والمراكز الثقافية، وحتى الملاهي، ولكنها تلغي مباريات الكرة، فالجزائر مازالت البلد الوحيد في العالم الذي لا يعاقب الجماهير على السباب، رغم أن أغاني الأنصار صارت جميعها سوقية، وهي تسبّ المنافس ولا تشجع فريقها، وتسبّ الحكم وتسبّ حتى أصول وجذور المدينة التي ينتمي لها الفريق المنافس، ومازالت لدينا لحد عام 2013 مباريات خطيرة، الذاهب لمشاهدتها غير ضامن لحياته، وتجاوزت بعض الهتافات الحدود العنصرية.

وصار من الضروري توقيف هذه التجاوزات نهائيا، ولو بإلغاء المنافسة الكروية، فقد شاهدنا على المباشر مباريات داربيات، والجمهور يتمتع بنزع الكراسي وإلقائها على خط التماس بـ"سادية" غير عادية لا يمكن وصفها، سوى بالمرض الخطير، والذي يزور ملعب الشهيد حملاوي بقسنطينة الذي تم زرعه بـ35 ألف مقعدا، منذ خمس سنوات يتأسف لحالته الحالية، والجزائري مايزال يحلم بأن يصطحب ابنه أو شقيقه، ولا نقول زوجته وابنته، إلى الملعب وهو حلم مؤجل، وربما لن يتحقق إطلاقا، فكلنا نعلم أن السعوديات صرن يذهب إلى الملعب ويلاقين الاحترام، والإيرانيات والعراقيات، والجزائر حاليا هي البلد الوحيد الذي لا يعاقب على الشتائم، وملاعبه ممنوعة وخطيرة جدا على العائلات، وحتى على الرجال البالغين.

فالأوروبيون يعاقبون الجماهير العنصرية، التي تسخر من أصحاب البشرة السمراء، وفي مصر أيضا الشتيمة هي عنف يعاقب فيها الفريق الذي ينتمي له المشجع الشاتم، وفي إنجلترا منذ أحداث ملعب "هايسل" عاقبت مارغريت تاتشر عشاق الكرة في إنجلترا بإبعادهم عن المنافسة الأوروبية، وبعد أن تخلّقوا نزعت الحاجز الفاصل بين الجمهور واللاعبين، بينما يواصل المناصرون عندنا رسم صور العنف في الانتصار كما في الخسارة، ويشترك في هذه الرسومات المسيئة للجزائريين وحتى اللاعبين ورؤساء الأندية ولجان الأنصار والمنظومة الكروية بأسرها، التي جعلت الملاعب أشبه بالمواخير، ممنوعة على المحترمين من المجتمع، ونصف المتورطين في أحداث التخريب التي تقع هنا وهناك، اتضح أنهم من ذوي السوابق العدلية.

واتضح أن نصف هؤلاء من الذين توبعوا في أحداث عنف، وقعت خلال مباريات الكرة في داربي الشرق بين "الموك" و"السنافير" ومباريات عنابة التي يسمى أنصارها بـ"الهوليغانز" ومباريات الاتحاد بالعميد ومولودية وهران بأولمبي الشلف، من ذوي السوابق العدلية الذين يشحنون بطاريات الإجرام في ملاعب الكرة، وللأسف يصيبون البقية بعدوى الأحقاد.

 .

"اليتيمة" مجبرة على تخفيض الصوت خلال المباريات تفاديا لإحراج العائلات

ويوجد في عالم الكرة الجزائرية، العديد من الأشقاء الذين لعبوا في نفس الفريق، ومنهم دوب وبولمدايس وسدراتي، وآباء في التدريب مع أبنائهم اللاعبين، ولم يحدث وأن اتخذ هؤلاء مبادرات جادة ولو بالتهديد بالمقاطعة نهائيا في حالة استعمال الكلام السوقي الذي يسيء للعائلات الجزائرية المحافظة من قبل مناصريهم، وهناك من اقترح تقدم اللاعبين ورؤساء الأندية والمدربين عبر مكبرات الصوت، ليطلبوا من الجمهور قبل بداية المباريات بالتزام الأخلاق الحميدة.

 كما اقترح آخرون، خاصة خلال لقاءات الجمعة، وضع مكبرات صوت تقدم آيات من القرآن الكريم، ولكن كل هذه الاقتراحات لم تطبق، حيث اتضح أن غالبية رؤساء الأندية، وخاصة اللاعبين، لا يهمهم سوى جني الأموال الطائلة على حساب الأخلاق، كما لم يبادر رؤساء الأندية لاقتراح قانون عقوبات صارم يحرم الفرق من اللعب أمام جمهورها، أو حتى خارج ديارها في حالة التعدي على الحرمات بالسب والشتم السوقي، الذي يجعل التلفزيون الجزائري مجبرا على تخفيض الصوت، أو منعه نهائيا، حتى لا يُحرج العائلات المحافظة، وهو إجراء نادر، لا يحصل في كل قنوات العالم الرياضية إلا في الجزائر.

الجزائر قد تكون خلال هذه الصائفة كما يأمل الجميع، ضيفا وصاحب بيت على مونديال البرازيل، وهي أكبر بلد كروي في العالم، لم يحدث وأن غابت عن المونديال، منذ أن انطلق عام 1930، ومع ذلك تمكنت بالرغم من شغف جماهيرها بالكرة، من أن تحوّل ملاعبها إلى شبه مسارح ترتادها العائلات بكل أفرادها، لقضاء أوقات من الراحة والاستجمام، كما هو حاصل في إنجلترا البلد الذي بدأت فيه اللعبة، والبلد الذي ظهر فيه "الهوليغانز"، واللعبة يجب الآن أن تأخذ مكانها الحقيقي، كلعبة تقدّم صورة الشعوب، فمن غير المعقول أن يكون مناصرو مولودية قسنطينة مثلا التي أسس ناديها الشيخ ابن باديس سبّابين، وفريق معسكر التي ينتمي لها الأمير عبد القادر شتامين، وأن يبقى هؤلاء الشواذ من الذين لا يتنفسون سوى الكلام الفاحش، يسيطرون على أسماع الناس، إلى درجة أن الملاعب الجديدة التي تقام حاليا في مختلف المدن تم إبعادها عن وسط المدينة، وكأن الدولة بصدد بناء أماكن تعذيب أو سجون، تفضل أن تجعلها بعيدة عن المواطنين بمسافات كبيرة.









مواضيع مشابهة :

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

جميع الحقوق محفوظة ©2013