الاسلام السياسي في الخليج
صحف عبرية
June 13, 2013
يدعي استطلاع نشره مؤخرا معهد ‘بيو’ للبحوث بأنه توجد في الشرق الاوسط أغلبية تؤيد جعل الشريعة قانونا للدولة. ورغم أن التعريفات والمناهج تتغير بالنسبة لاي جانب من القوانين الاسلامية يجب أن تتبع وعلى من تنطبق، فان اغلبية كبيرة في المنطقة، هكذا حسب الاستطلاع، تفضل ان ترى علاقة وثيقة أكثر بين السياسة، الحكم والاسلام وتحتفظ بالاعتقاد بان للقرآن والحديث ما يقولانه عن شكل تنظيم المجتمع والحكومة. ولا يفترض بالنتائج أن تكون مفاجئة. فمؤيدو الاسلام السياسي كالاخوان المسلمين، والاحزاب التي تدور في فلكهم وكذا حركات مشابهة، اثبتوا بانهم شعبيون للغاية ويشاركون بحجم واسع في الهزة الاقليمية وآثارها.
تبدو دول الخليج العربية مستقرة، على الاقل مقارنة بعموم المنطقة. ومع ذلك، فان الهياكل السياسية والاقتصادية في دول الحكم المطلق تشهد ضغطا تتحدى فيه أجزاء لا بأس بها من السكان النخب الحاكمة. فالسعودية، اتحاد الامارات، الكويت، البحرين، قطر وعُمان وقفت منذ الان امام حركات معارضة مختلفة على مدى السنين. ولكن في معظم الحالات لم تنجح هذه الحركات في الانتشار، ومالت لان تمثل اجزاء ضيقة جدا من السكان. ومن خلال جملة من استراتيجيات البقاء الداخلية والخارجية نجحت الانظمة في الحفاظ على الاستقرار.
تعزز العنصر الديني ليس أمرا جديدا في المنطقة. ورغم ذلك فان سلوك بعض من الانظمة الملكية يدل بوضوح على التخوف المتزايد من التهديدات من جهة الاسلام السياسي على مواصلة حكمها. وتتراوح الامثلة من المحاكمة المتواصلة ضد نحو مئة من اعضاء ‘الاصلاح’ المنظمة المتماثلة مع الاخوان المسلمين في اتحاد الامارات، ممن اعتقلوا في السنة الاخيرة (قبل ذلك أعلنت السلطات عن اعتقال ‘خلية للاخوان المسلمين المصريين’ دربت محليين على الانقلاب ضد النظام)، وحتى حل البرلمان الكويتي الذي انتخب في شباط/فبراير 2012 وكان متأثرا بالقوى الاسلامية وشبه الاسلامية. وذلك، خلافا لقطر، التي ان كانت لا تحكمها حركة الاخوان المسلمين، فانها متماثلة وداعمة لافكارها (فالامارة تبقي في نطاقها منذ الستينيات على يوسف القرضاوي الذي وإن كان لا يتبوأ مكانة رسمية في الحركة الا أنه معروف بصفته المرجعية الدينية الايديولوجية العليا للاخوان).
حتى الان تخدم المقارنة بين الاحداث التي المت بالدول، التي اجتازت الهزة في الشرق الاوسط، وبين الوضع في الانظمة الملكية، تخدم وتساعد الحكام على ‘اقناع′ رعاياهم، بانه من الافضل لهم أن يواصلوا احترام العقد غير المكتوب وبموجبه تعمل هذه الدول ـ الحكم يوفر ويدعم معظم الخدمات ـ مقابلها لا يطالب المواطنون بالمشاركة السياسية. ولكن، على مدى الزمن فان نجاح الانظمة الجديدة في مصر وتونس كفيلة بان تؤثر على الانظمة الملكية وتظهرها كمعارضة للديمقراطية. ثانيا، وعدت الانظمة الملكية بقدر كبير من التغييرات الدستورية، ونفذت القليل جدا. ويبدو أنه في المرة القادمة لن تكفي الوعود أغلب الظن، إذ يتعين عليها أن تتقدم ‘بخريطة طريق’ لتنفيذ الاصلاحات السياسية، وتتجاوز مجرد الضريبة الكلامية.
ويرتبط الخوف المحدد من مؤيدي الاسلام السياسي بحقيقة أنهم يقترحون طريقة بديلة للمباني السلطوية القائمة، توفر اطارا سياسيا الى جانب الشرعية الدينية. وليس الاسلام السياسي مجرد امكانية لطريقة بديلة فالديمقراطية الغربية هي أيضا هكذا وهو ليس مجرد منافس للاساليب القائمة التي تدمج الاسلام بالدولة كالعلاقة بين عائلة آل سعود والمؤسسة الدينية الوهابية بل انه تهديد للنظام القائم. وبتعبير آخر، فانه بسبب العنصر الديني الذي فيه ولما كان العديد من الحركات يحث على انتخابات ديمقراطية ويشارك فيها، فانه يعرض بديلا حقيقيا وناجعا للقيادة الحالية، التي أثبتت نفسها بانها قادرة على اسقاط حكومات في دول كمصر وتونس. ورغم أن الزعماء الاسلاميين أبدوا براغماتية انطلاقا من الاضطرار فليس من المسلم به ان يبقى هذا الوضع. معقول أن تواصل دول الخليج السياسة الخارجية والداخلية التي طبقتها منذ بداية الربيع العربي في محاولة لمنع الاضطرابات وتعطيل عناصر تهديد استقرار الحكم ومحاولة التأثير بقدر الامكان على العنصر الاسلامي كسياسة اخرى. وحقيقة أن السعودية تمنح مساعدة لمصر وبالتوازي تحاول ابعاد الاخوان المسلمين عن الائتلاف الرسمي للمعارضة السورية وتساعد الاردن الذي يقاتل هو ايضا ضد الاسلام، فانها نموذج لمثل هذا السلوك المزدوج. ومع ذلك، تؤدي هذه السياسة تجاه العناصر الاسلامية ـ مثل دعوة اتحاد الامارات العربية الى دعم مشترك من دول الخليج ضد الاخوان المسلمين مقابل دعم قطر للمنظمة وللحركات المرافقة لها ـ تؤدي الى التوتر بين دول الخليج وتخلق تصدعا في غلاف الوحدة نتيجة للربيع العربي (الذي وجد تعبيره مثلا في المعارضة المشتركة للقذافي والاسد). ويمكن لهذه الخلافات أن تثقل على من له مصلحة في تشكيل جبهة موحدة ضد عدو مشترك. مثال على ذلك المصاعب التي تواجهها الادارة الامريكية في محاولتها لبلورة جبهة سنية موحدة. والدليل هو أنه رغم التأييد العام الذي قدم للمعارضة للاسد، تجد الدول صعوبة في الوصول الى التوافق فيما بينها على العناصر المعارضة السورية التي ينبغي دعمها.
ولا تبدي دول الخليج كقاعدة ارتياحها من انجازات ‘الاخوة’ ويتغذى هذا الشك في السعودية بعلاقات المنافسة والتوتر الشديد بين المدرسة الوهابية والاخوان المسلمين، التي تجد تعبيرها على مدى السنين في الهجمات المتبادلة. ومع أنه في الخمسينيات والستينيات وجد العديد من الاخوان المسلمين ملجأ من وجه القومية العربية في نطاق المملكة، الا ان الاسرة المالكة السعودية بقيت متحفظة منهم (لم تسمح لهم باقامة فرع في المملكة)، وكثيرا بعد تأييد الاخوان المسلمين لاحتلال الكويت ولا سيما في سنوات ما بعد عمليات 11 ايلول/سبتمبر 2001، بالحديث علنا وبشدة ضدهم. وفي السياق السوري، مع ان السعوديين معنيون بان يسقط الاسد كسبيل لاضعاف ايران، الا انهم يخشون، وان لم يكونوا يعربون عن ذلك علنا، من صعود محافل اسلامية متطرفة كالاخوان المسلمين، الامر الذي من شأنه أن يؤدي الى نشوء كتلة ‘خضراء’ من الدول التي تقودها هذه الجماعات الاسلامية.
كجزء من محاولتها صد الاسلام السياسي نفذت الانظمة الملكية اعتقالات وقائية، تدخلت في اجهزة القضاء واحبطت قدر الامكان اعمال المجتمع المدني. كما تستخدم السلطات القرآن لتبرير حظر الاحتجاجات ومطالبة المواطنين بطاعة زعمائهم. غير أن الثورات في المنطقة لم تعط فقط الامل لمواطني دول الخليج والحركات المحلية التي سعت الى الاصلاح السياسي، بل تجعل من الصعب على الانظمة مواصلة تصوير معارضيها كـ’اعداء الشعب’ حتى ان كانت لهم اجندة اسلامية.
حتى لو تشكلت جبهة موحدة من دول الخليج تجاه الاخوان المسلمين أو تجاه حركات مشابهة تمثل صيغة للاسلام السياسي، فان هذا لا يضمن الحصانة ضد شعبية هذه الحركات. وبالمقابل، فان فشل الحركات الاسلامية يمكن أن يساعد الانظمة الملكية في اقناع رعاياها بان البديل ليس جذابا أو قابلا للعيش. وصحيح حتى الان، السؤال ‘اين كنت تفضل أن تعيش، هنا أم هناك؟’ هو بالفعل حجة مقنعة، ولا سيما في ضوء الوضع الصعب لمصر. ومن جهة اخرى، فان نجاحا محتملا للحركات الاسلامية سيطرح بديلا للوضع الراهن السياسي القائم في الخليج. عمليا، معقول أن الديمقراطية العلمانية التي تحقق نجاحا ستكون أفضل في نظر الانظمة الملكية في الخليج على نجاح مشابه تحققه حركة بقيادة اسلامية. وذلك لانه على الاقل في الحالة الاولى ستكون الشرعية الدينية التي يخشون منها، بارزة في غيابها.
يوئيل جوجانسكي
نظرة عليا 13/6/2013
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.